الخط العربي …. سجل أمّة

محمد عبد ربه علاّن

خطاط وباحث في مركز دبي لفن الخط العربي

إنّ الإبحار في تاريخ فنّ مضى على ولادته أكثرمن خمسةٍ وعشرين قرناً ، أمر شاقٌ في غياب الأسانيد الموثّقة ، غير أنّ هناك هالات ٍ من الضوء يشمل سناها رحلة الخطّ هذه من منبعه إلى حيث نحن مبحرون الآن في لجّة مداده ، سعياً وراء فتح مغاليقه وكشف أسراره الغافية في ثنايا الزمن بملايين مخطوطاته في أدراج وأرفف متاحف الدنيا .

وسنتحدث فيما يلي عن فن الخط العربي من حيث نشأته ، والبيئة التي نما وتطوّر، والميادين التي شغلها ، وبنيته وأنواعه ، وأساتذته ، وانتشاره وأدواته المصاحبة والفنون والصنائع المرافقة له وما آل إليه حتى يومنا هذا .

المناخ الفنّي قبل الإسلام :

إنّ الحديث عن الجانب الفني في مجتمع شبه الجزيرة العربية على عمق ذاك الزمن ، يستلزم التمهيد له برسم صورة مقربةٍ وعامة عن الحياة العقلية والدينية والاقتصادية مع ما يحيط بهذه البيئة من تجاذبات وصراعات سياسية دولية وقبلية .

إنّ فترة المئة والخمسين سنةً التي سبقت بزوغ فجر الاسلام ، هي في نظر المؤرخين الجاهليةُ الثانية (1) ، وهي فترة أعقبت دعوة ابراهيم عليه السلام ( الديانة الحنيفيّة ) التي تعود ألى أربعين قرناً من الزمان ، وقد ران عليها القِدمُ والنسيان ، وعاد العربُ يذبحون على النصب (2) ، ويعظمونها و يلطخونها بالدماء ، وعبادة الأصنام ، فمجدّوها ، وقدموا لها القرابين ، وكان حول الكعبة ِ ثلاثمائةٍ وستون صنماً مملوكةً للقبائل العديدة ، مع ما أفرزت هذه الأصنام من عادات وطقوس مثل الاستقسام ، إذ كانوا يضعون عند كل صنمٍ كيساً فيه أزلامٌ تُخفي القِداح ، وهي سهامٌ كانت لديهم ، كتبوا على الأوّل : أمرني ربّي والثاني نهاني ربّي والثالث غُفِل من الكتابة ، وفي بعضها كلمتان مكتوبتان ، الأولى نعم والثانية لا .

كما أنّ قبيلة خزاعة كانت تعبد الشِّعرى وهو كوكب خلف الجوزاء ، بالإضافة الى المسيحية ( نصارى تَغْلب ونصارى نجران ) ، واليهودية ( بنو قريظة وبنو قينقاع ) والمجوسية ، وإنّ أوّل من تمجّس من العرب ” لقيط بن زرارة ” .

وفي الجانب الثقافي ، أولى العرب الشعر عناية ً فائقة ، وأصبح ديواناً لهم ومعياراً لعلّو شأنهم اجتماعياًّ ، وكان الشعراء مصنفين في النخب الاجتماعية المميزة . فاستحوذ على وجدانهم ، غير أنّ تداوله كان لفظياً وبلسان الأغلبية اللغوية ( العربية ) في وجود لغاتٍ أخرى تحيطُ بالمجتمع العربيّ وهي السّريانية والآرامية والروميّة والحبشيّة والعبرانيّة والفارسيّة والسّنسكريتيّة والقبطيّة .

واعتمد الشعراء العرب في رواية الشعر على قوّة الحافظة في غياب الكتابة الحِرَفيّة ونعني ( لم تكن ثقافة قائمة على الكتابة ) ، وكان تقييم الشعر يأخذ مكانه في الأسواق الثقافيّة مثل سوق عكاظ ، يجتمع فيه الشعراء ليقول كلٌّ منهم ما عنده ، فيتناولونه بالنقد والتصحيح ، ولم يكن هناك سمةٌ لوجود ملمحٍ فنّيٍ متكامل ٍ في مجمل ثقافتهم سوى ما يُروى عن كتابة المعلّقات بماء الذّهب ، وثتبيتها على جدران الكعبة ، وفي شأن آخر تمثّل في تطويق عنق الفرس الفائزة بشريط أحمر ، والقلائد (3) وصحيفة القطيعة التي أكلتها الأرَضَةُ ( بفتح الراء والضاد ) والصحيفة التي حملها ” طرفة بن العبد” وخالهُ ” المتلّمس” من “عمرو بن هند ” إلى عاملهِ في البحرين لينالا منه جائزتين ، وكذلك الكتاب الذي حمله معه امرؤ القيس إلى القسطنطينية .

وفي الجانب الاجتماعيّ ، ظهرت في الملامح الفنية ألفاظ ، مثل : الوَسْم والمَيْسم والوشْي والنّقش والرّقش والرّسم ، والرّقم والرّقيم والِمرْقم . وشاعت في أشعارهم مفردات ، وردت في النص القرآني الكريم من آياتٍ ، الكتاب ، الكوكب الدريّ ، والزُّبر  ( جمع زبور ) ، ولم تكن الطبيعة لتسعفهم في استخدام الألوان ، فعوّضتها الخيول في ألوانها مثل : الأبرش والمُبرْقع والأبلق والكميت والمذهب والأغر والأشقر والورد والأبيض والأحمر والعندم والأصلب والأطلس والقسطلاني والأرجواني . وفي المظهر الاقتصادي ، فقد ازدهرت لديهم التجارة بوجود الكعبة في مكة ، وكانت مقدسة آنذاك لدى العرب والفرس والهنود والصابئة ، وكانوا يحجون إليها في أوقات متفاوتة من العام ، ومعهم القرابين ، مما أدى إلى نمو الحركة الاقتصادية في مكة ، وازدياد الطلب على المساكن والمؤن والقرابين ، وقد أفاد من ذلك التجّار الذين يستوردون بضائعهم من بلاد الشام . وتضم قوافلهم آلاف الجمال ، مما كان يستوجب وجود من يكتب ويقرأ سجلات وكشوف وعقود الشراء والبيع ، وكميات البضائع وبنودها وأثمانها وبالتالي فإنّ كتبة متخصّصين كانوا مرافقين لهذه القوافل .

وفي المحيط الجغرافي كان حول الجزيرة العربية امبراطوريتان عريقتان هما فارس والروم ، وتدور في فلكهما دولتا المناذرة والغساسنة ، وفي الجانب الغربي منها مصر القبطية وريثة الحضارة الفرعونية ، وفي الجنوب الغربي مملكة الأحباش ومذهبها النصرانية ، ولم يتأثر قاطنو شبه الجزيرة العربية بالجوانب الفنيّة السائدة آنذاك ، رغم التقاطعات الحضارية الفرعونية في مصر والفارسية في بلاد فارس والرومية في بلاد الشام وما تلاها ، ومن بقايا آثار السومرية والبابلية في العراق ، فاستمر حال العرب في أوطانهم في مجتمعاتٍ بعيدةٍ عن الكيان ذي السياسات المحدّدة ، والمفاهيم العامة التي تحكم المجتمع من خلال القوانين .

في منشأ الكتابة :

إنّ هناك ثلاث نظريات في منشأ الكتابة العربية وبالتالي ما تطور عنها في الخط العربي ، تداولها المؤرخون ، وكلها تتلمس طريقها نحو العثور على أصل يعتد به ، وتقول النظرية الأولى ؛ إنّ مصدر الكتابة إلهي ، وذلك بأن آدم عليه السلام هو الذي وضع الكتابات كلّها عندما تعلّمها من الله سبحانه وتعالى ، ولمّا أظلّ الغرق الأرض ، ثمّ انجاب عنها الماء ، أصاب كلُّ قوم كتابهم ، فكان كتاب اسماعيل عليه السلام عربياً ، وإنّ سند الذين أخذوا بهذا الرأي هو الآية القرآنية  :    ( وعلّم آدم الأسماء كلّها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) (4)

والنظرية الثانية تشير الى أن الخط العربي مشتق من الخط المسند المعروف بالخط الحميري أو الجنوبي ، وكان اشتقاقه عبر تاريخ طويل عن طريق القوافل التجارية التي بدأت نشاطها في عهد هاشم بن عبد مناف التي ربطت ما بين اليمن وعرب سوريا والعراق وشمال الجزيرة العربيّة ، وبِحُكم الموقع المتوسّط للحجاز بين هاتين المنطقتين أخذ العربُ خطّهم المُسْنَد وقد سمُّوه خطّ الجَزْم أي المقطوع من المُسْنَد .

أما الآخذون بالنظريّة الثالثة ، فإنّهم يرون أنّ الخطّ العربيّ تطوّر عن الخطّ النّبطي ، ويسندون حجّتهم هذه عن طريق دراسة النقوش التي تعود الى ما قبل الإسلام والقرن الهجري الأول ، والخط النبطيّ مرتبطٌ بالخط الفينيقيّ والخطّ الآراميّ ، ويُستدلّ على ذلك بالنقوش الّتي عُثر عليها في أمّ الجمال ( 150 – 250 م ) والنمّارة ( 228 م ) وهذان النّقشان كُتبا بالخطّ النبطيّ وبلُغة الأنباط (5) أنفسهم .

إنّ بعض المؤرّخين المسلمين يرون أنّ الخطّ العربيّ انتقل من الأنبار إلى الحيرةِ ومنها الى الحجازِ ، غير أنّ الاستدلال بالمسحيّات والمواقع التّجاريّة ومسار العلاقات التجاريّة يقودنا الى أن الخطّ العربيّ انتقل من حوران إلى الأنباط من الحيرة والأنبار مروراً بِدَوْمَة الجَنْدل الى الحجاز ، أو عن طريق حوران – البترا – العلا ، وهذا طريقٌ أقصر لوصول ملامح الخطّ الى الحجاز ، وأخذ بذلك أسماء منها الخطّ الأنباريّ والخطُّ الحيري والمدنيّ ( اللّين ) والمكي .

ولم تكن تخلو بلاد العرب من الكتابة حيث أنّها كانت معروفةً ولكنّها غير مألوفة ، وذلك بحكم العلاقات التجاريّة والسياسيّة مع المحيط الدّولي ، في تلك الفترة ( أي ما قبل الإسلام ) لأنّ قوافل التجارة كانت تقطع مئات الكيلومترات وتضم آلاف الجمال .

فجر الإسلام :

إنّ أوّل كلمةٍ نزلت على قلبِ محمّد – صلّى الله عليه وسلّم – كانت إقرأ (6) وهي تستوعب القراءة وما تستوجبه من قراءةٍ واستيعابٍ وكتابةٍ وورقٍ وقلمٍ وحبرٍ وكاتبٍ ، وهنا يبرز دور الكَتَبَة الّذين وثّقوا دين وتاريخ هذه الأمّة . إنّ نزول الوحيّ استلزم وجود الكَتَبَة ، فنَالَ شرف هذه المهمّة الكريمَة كتّاب سُمّوا ( بكتّاب الوَحْي ) وكان رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يأمر أصحابَه بتسجيل المعلومات بالكتابةِ ويوصيهم بالحفاظ عليها ، ورغم أميّته بنصٍ قرآنيٍ صريحٍ : ” وما كنتَ تتلو من قبلهِ من كتابٍ ولا تخطّهُ بيمينك إذاً لارتابَ المبطلون ” (7) ويحضّهم على تعليم أبنائِهم الكتابة والقراءة ، وما تكليف المشركين في مكة العارفين بالقراءة والكتابة ، ممّن أُسروا في غزوة بدربتعليمِ أبناءِ المسلمين إلاّ دليلاً على الرّغبة الملحّة والحاجة الضروريّة إلى تعليم الكتابة والقراءة . وبذلك أصبحت المدينة المنورة أول مركزٍ لتعليمِ القراءةِ والكتابةِ منذ ظهور الإسلام ، وقد بلغ عدد الصّحابة الّذين قاموا بهذه الوظيفة أربعين كاتباً ، منها كتابة ما يتنزّل بالوحي على قَلب النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – وكتابة العُهود ورسائلِ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – إلى الملوك والولاة . ومن بين الصّحابة من كان يجيد أكثر من لغةٍ مثل زيد بن ثابت الذي كان يعرف الفارسيّة والروميّة والحبشيّة والقبطيّة والسريانيّة ، وكان مترجماً للنبي – صلّى الله عليه وسلّم – بالإضافةِ إلى الّذين كانوا مُلّمين بالعبريّة والسريانيّة ، وكان من كُتّاب الوَحْي ” الشّفّاء بنت عبدالله العدويّة ” التي علّمت السيّدة حفصة زوجة النبي – صلّى الله عليه وسلّم – الكتابة .

اقتصرت مهنةُ الكتابة زمن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – على كتابةِ صحائف التّنزيل ورسائِلهِ إلى الملوكِ والولاةِ ، غير أنّ الحاجة إلى الكتابة  زادت زمن الخلفاء الرّاشدين ، وذلك للوفاء بالمعاملات الاداريّة والسياسيّة ، ففي عهد أبي بكر الصدّيق ( رضي الله عنه ) وبنصيحة من عمر بن الخطّاب ( رضي الله عنه ) ، أمرَ زيد بن ثابت أحد كُتّاب الوحي بجمع الصّحف (8) المتجانسة وذلك لمّا بدأ عدد من كتّاب الوحي في التناقص نتيجةً اشتراكهم في الفتوحات ، بالإضافة إلى ظهور اختلافات في قراءةِ القرآن في أماكن مختلفة ، مما دعا الخليفة عثمان بن عفّان ( رضي الله عنه ) إلى أخذ الصّحف التي جمعها زيد بن ثابت وكتبها ، وحُفِظَت لدى السيّدة حفصة بنت عمر بن الخطّاب ، فكَتبَ مُصْحفاً عُرِف المُصْحَف الإِمام ، ثم أمر زيد بن ثابت وعبدالرّحمن بن عمرو بن العاص وعبدالله بن الزّبير وابن عبّاس ( حبر الأمة ) وعبدالرحمن الحارث بن هشام أن ينسخ كلُّ واحدٍ منهم نسخةً من المُصْحَف ليرسلها إلى الأمصار وهي الكوفة والبصرة والشام وفي رواية أُخرى إلى مكّة المكرّمة واليمن والبحرين ، وأبقى عنده مُصحفاً عُرِفَ بالمُصْحف الإمام .

وبهذا يكون القرآنُ قد كُتب في عهد النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – وجُمع عهد أبي بكر الصدّيق وكتب في عهد عثمان بن عفّان وأُعجِمَ ونُقِطَ في عهد عبدالملك بن مروان .

وبانتشار الإسلام واتّساع رقعة الدّولة ، كَثُرتْ الأخطاء الّلغوية ( الّلحن ) فقام أبو الأسود الدُّؤلي ( ت 69 ه / 689 م ) وبطلبٍ من زياد بن أبيه ( والي العراق ) ( ت 53 ه / 673 م ) قام بوضع نقطة حمراء فوق الحرف للدّلالة على الضّم ، ونقطتين للدّلالة على التّنوين ، ثم تابع عمرو بن عاصم ( ت 889 ه / 70 م ) ويحيي بن يعمر ( ت 129 ه / 746 م ) فأتما ما بدأه أستاذهما أبو الأسود الدّؤلي ، وجاءت هذه الخطوات لقطْعِ الطّريق أمام أيّ خطأ في الّلفظ أو المعنى ، واستمرّ هذا الحال إلى أن قام الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وكان معاصراً للإمام مالك بن أنس ( ت 175 ه / 797 م )  بإصلاح الكتابة برموزٍ للإشارات الإملائيّة والكلمات مثل الشين تعبيراً عن الشدّة ، وإشاراتِ الهَمَزاتِ و التّشديد والرّوْم والإشْمَام ثمّ ألّف كتاباً سمّاه ” كتاب النّقط والشكل ” وبها استطاع هذا العالم الفذّ أن يضبط النُّصوص ويمنعَ عنها التّصحيف الذي يؤدّي إلى فساد المعنى .

الكتابة في العصر الأموي :

14 – 123 ه / 661 – 750 م

إنّه في انتقال فن الخطّ والكتابةِ من عصر صدر الإسلام ، إلى العصر الأمويّ ، كانت شؤُون الحكم وتصريفُ أُمور الدّولة قد زادت ، فزادت الحاجةُ الى الكتّاب ، غير أنّ الصِّيغة الفنيّة للحرف لم تُراوح مكانها ، وكانت أقربَ الى الكتابة الوظيفيّة منها الى الشّكل الفنيّ المحكوم بالقواعد . وقد لمع في سماء هذه الحقبةِ خالد الهيّاج وأبو يحيي مالك بن دينار الورّاق وقُطبة المحرّر .

الخط في العصر العباسي :

132 – 656 ه / 749 – 1258 م

إنّه في الحلقة المتّصلة بين عهدي الأمويّين والعباسيين كان هناك الضحّاك بن عجلان الكاتب ، واسحاق بن حمّاد الكاتب ، وقد أصبح هذان الفنانان أستاذين في خطّ الطّومار والخطّ الجليل ، وكان من تلاميذهما ابراهيم الشجريّ ويوسف لَقْوه والجارية ثناء الكاتبة ، وأحمد ابن أبي خالد . وقد استحدث ابراهيم الشجريّ قلم الثُّلثين وقلم الثّلث واستخرج يوسف لَقْوة قلم نِصْف الثّقيل ( قلم التّوقيعات والريّاسي فيما بعد ) ، كما استخرج الأحْوَل المحرّر خفيف النّصف وخفيف الثّلث ، ويُسند لهذا الفنّان أحدَ عشرَ قلماً ( خطّاً ) مثل قلم المُسَلْسَل وخطّ المؤتمرات وخطّ القَصَص ، وكانت وِحْدة القياس المعياريّة شَعْرةُ البِرْذَوْن التركستانيّ  لأقلام الجليل على ورق الطّومار(9) .

إنّ المحاولات الّتي أشرنا إليها مهّدت أُسس العمليّة المُمَنْهَجة الّتي توّلى قيادتها ابنا مُقلة : أبو علي محمّد بن علي ( ت 328 ه / 940 م ) وأبو عبدالله الحسن ( ت 338 ه / 949 م ) والّتي تُسمّى بمرحلة الخطِّ المنْسوب .

المعايير القياسية لفنّ الخطّ المنْسوب :

بعد تجارب استمرت في بحر ثلاثةِ قرونٍ ، قامَ ابن مقلة بدراسة واستيعاب هذا التجارب ، فوضع النّسب الخاصّة بالخط المُقنّن الموزرن من ناحية الأبعاد الهندسيّة للحرف بما يحافظ على جمالية النسق وعموميّة النّسبة وتطبيقها على الحروف كافّة متّصلة كانت أم مُنفصلة ، وختم تجاربه القيّمة بكتابة مصحفيْن ، غيْر أنّه أظهر اهتماماً خاصّاً بِخطيّ الرّقاع والتّوقيع ، كما اعتنى أخوه بالخطّ النّسخيّ خاصّة ، واستمرّ تأثير انجازاتهما مدّة قرنٍ من الزّمان . وإذا كان ابنا مقلة محطة رئيسية في رحلة الخطّ العربيّ ، فإنّ ابن البوّاب كان المحطّة التّالية في رحلة الخطّ العتيدة .

ابن البوّاب : ( ت 413 ه / 1022 م ) 

اتصل نسب أبي الحسن علاء الدين علي بن هلال ( ابن البوّاب ) فنياً بابن مقلة من خلال أعمال ابن مقلة ، فاستوعبها ونقحها وحسنها ، وكتب أربعة وستين مصحفاً ، استخدم فيها خطي الريحاني والتوقيع ، وهو مبتكر خطي المحقق والريحاني ، وقد ظل تأثيره بائناً من خلالهما على مدى ثلاثة قرون على يد أبي الفضل أحمد محمد الدينوري ( الرقاع والتوقيع ) وشُهْدة وأمين الدين ياقوت الموصلّي وولي الدين بن زنكي العجمي ، والموسيقي صفي الدين بن عبدالمؤمن .

وتتوالى الجهود ، وتتصل حلقات الفن ، وأياد تنجز وأخرى تستلم ويأتي لاحقاً من يعتبر مفصلاً مهما في مسيرة الخط العربي .

ياقوت المستعصمي : ( ت 698 ه / 1298 م )

مرحلة الانتشار الفني

إنّه في بَحْر خمسةِ قرونٍ ، ظلّت بغداد حاضرةً للخطّ العربيّ ممارسةً وتعليماً وإنتاجا ونشراً ، لكلّ ما يخرجُ تحت أيدي سرايا الخطّاطين ، وجاء على رأس هذه الحقبة أبو المجد جمال الدّين ياقوت بن عبدالله المستعصميّ ، وقد عَكَفَ على دراسة خطوط ابن مقلة وابن البوّاب ، فاستوعبها وطوّرها ، وعُرِف بطريقته في زيادة تحريف قَطّة القلم ، وجوّد خطّي المحقّق والرّيحاني ، وكتب العديد من المصاحف والأحاديث ودواوين الشّعر ، ومن تلاميذه أرغون ، وأحمد السهروردي ومُبارك شاه السّيوفي ومُبارك شاه بن قطب والصّيْرفي ونصر الله الطيب والمشهديّ ، ومن معاصريه وليّ الدّين العجمي . وبعد سقوط بغداد سنة ( 1258 م ) انتشرت طريقة ياقوت المستعصميّ في المراكز الاسلاميّة شرقاً وغرباً لدى الإيلخانيين والتيمورييّن والجلائريّين والطولونييّن والفاطميّين والايوبيّين والمماليك ، وأمّا في الغرب الإسلامي فقد انتشر الخطّ العربيّ في شمال افريقيا ووسطها وغربها في الأندلس .

لقد كان ياقوت المستعصمي محطّة التحوّل ( ترانزيت ) في مسيرة الخطّ العربي ّ . وبوفاة ياقوت نقل تلاميذُه سِمات مدرستِه من بغداد إلى الأناضول وسوريا وإيران ، وحرص تلاميذُه على الحِفاظ على طريقتِه بينما اتّجه الخطّاطون في مصر الى الإبقاء على طريقة ابن البوّاب .

إنّ ما وصل إلى تركيا بعد سقوط بغداد ، ستّة خطوط تُسمّى ( الأقلام الستة ) وهي : الثّلث والنّسخ والمحقق والرّيحان والتّوقيع والرّقاع . ولم يُحسب الخطّ الكوفيُّ ولا التّعليق من ضمن الخطوط الستة ، بل إنّ هناك أربعة خطوطٍ كانت من ابتكار الخطّاطين الأتراك هي الدّيواني والدّيواني الجلي والرّقعة والسّياقت .

أما حصاد هذه الفترة الممتدّة من العصر الأمويّ الى نهاية العصر العبّاسي ، فكان عدداً كبيراً من الخطوط نذكر منها الطّومار و قلم النّصف وقلم الثّلث و قلم الثّلثين و قلم مختصر الطّومار، وقلم خفيف الثّلث و قلم ثقيل الثّلث و قلم الخرفاج المتولّد من قلم الدّيباج ، وقلم السّميعي ، وقلم الأشرية المتولّد من مختصر الطّومار و قلم الحرم و قلم المفتّح النّصف قلم ، وقلم الزّنبوري المتولّد من ثقيل الثّلث ، وقلم المؤامرات ويُسمّى غبار الحلبة أو الجناح ، وتولّد من الثّلثين ، وقلم العهود المتولّد من قلم الحرم ، وقلم المدوّرالكبير، وقلم المدوّر الصغير، وقلم الريّاسي المتولّد من قلم مفتّح النّصف، وقلم الرِّقاع المتولّد من خفيف الثّلث، وقلم النرّجسي و قلم الريحان وقلم المنثور و قلم المرصّع و قلم الّلؤلؤي و قلم الوشْي و قلم الحواشي و قلم المقترن و قلم المدمج و قلم المعلّق و قلم القصص و قلم المسلسل و قلم الحوائجي .

و من هذه القائمة الطّويلة ، نستدلّ على أنّها لم تكن كلّها أقلاماً ذات خصائص مختلفة  عن الأقلام الأخرى ، وإنّما لَعِبَ حجم الحرف في تسميتها و لعبت الصّحيفةُ التي كتب عليها دوراً في التسمية. وذلك من باب تسمية الشيء بإسم محلّه ، وهذا وارد في اللغة ، فنقول : شربت كأساَ من عصير، فالأصل أنني شربت العصير وليس الكأس و لكنّ الكأس حلّ محل العصير. والأمثلة على ذلك كثيرة : مثل

أ- فلان من أساطين الفِقْهِ لأنّه كان يجلس مستنداً إلى أسطوانة المسجد، في اثناء تدريسه للتلاميذ. فحلّ المكان محلّ الصّفة.
ب-  “ولقد أهلكنا القرون من قبلكم  لمّا ظلموا ” .. الهلاك حصل لمن عاشوا في القرون وليس القرون نفسها.
ج- البريد : كلمة فارسيّة تعني البغل، فقد كانوا يحملون الرّسائل على البغال لإرسالها الى كافّة الجهات. ثمّ أصبح اسم البريد يطلق على الرسائل نفسها.
ه- الرُّقْعة: خط الّرقعة أحد الخطوط  الموزونة التي أبتكرها الأتراك العثمانيّون ، و قد أخذ هذا الخط اسم قطعة الورق أو الصحيفة الصغيرة ، قال أحدهم لأخيه : إذا كانت لك حاجة عندي فاكْتب ذلك في رُقْعَة – و ذلك حتى أضِنّ بوجهك عن ذُلّ السؤال .

و من الأسماء التي تؤكّد ذلك خطٌّ أسموه “غبار الحلية” و الحقيقة انّه اسمه ” غبار الحلبة ” و هي حَلْبةُ السّباق          ( مضمار الخيل ) فإنّه لدى دعس الخيول للتراب في جريها يدقّ التّراب و يصبح كالهباء ، ولما اختاروا الاسم من ذلك للبرهنة على صِغَر الحرف.

وإذا ما أردنا ان نتحدّث عن تاريخ الخطّ و أعلامه في كلّ أنحاء العالم العربي والإسلامي فإنّ هذا المقام لا يتّسع و لكننا سنسرد أسماء أعلام خدموا هذا الفن في مصر و سوريا و العراق و تركيا و إيران ، لعمق التجربة لديهم و لغزارة الانتاج الفنيّ الذي زوّدت فيه المكتبات و المتاحف و الميادين العامة.

ففي تركيا كان من أساطين فنّ الخطّ العربيّ :

الشيخ حمدلله الاماسي[1429- 1520] و الحافظ عثمان [1642- 1698] و مصطفى راقم [1758- 1826] و مصطفى عزت قاضي العسكر [1801- 1876] و محمد شفيق و محسن زاده عبدالله و عبدالله الزهدي و حسن رضا و محمد شوقي و يحيى حلمي و عارف البقّال و محمد أمين و أحمد الكامل أقديك و عمر الوصفي و محمد نظيف و حامد الآمدي و مصطفى حليم وماجد آيرال و حسن جلبي و فؤاد بشار.

و في مصر برز أعلام كبار مثل محمد مؤنس زاده ، و محمد جعفر بك ، و محمد ابراهيم الأفندي و نجيب هواويني ، و الشيخ عليّ بدوي و مصطفى غزلان و محمد رضوان و مصطفى الحريري و محمد حسني الّدمشقي و سيّد ابراهيم علي و يوسف أحمد و محمد علي مكاوي و عبدالرزّاق سالم ومحمد ابراهيم علي و محمود الشحّات و محمد عبدالقادرعبدالله ومحمود ابراهيم سلامة وسيد عبدالقادر عبدالله ، و خضير البورسعيدي.


و في سوريا فقد برز الخطّاطون مصطفى السّباعي و ممدوح الشريف و بدوي الدّيراني و حسين البغجاتي و سليم الحنفي و حلمي حبّاب، و محمود الهوّاري و أحمد الباري و أحمد المفتي و عدنان الشّيخ عثمان و عبيدة البنكي .

امّا في العراق فكان الشيخ صالح السعدي الموصلي و الحاج محمد علي صابر و الملاّ علي الفضلي و الملاّ عارف الشيخلي و محمد صالح الموصلّي ، و محمد الهلالي ، و اسماعيل الفرضي و هاشم البغدادي و يوسف ذنّون ، و سلمان ابراهيم ، و مهدي الجبوري و عبدالغني العاني و صادق الدوري ، و وليد الأعظمي و عباس البغدادي .

أمّا في إيران فكان سيّد حسن ميرخاني و سيّد حسين ميرخاني و غلام حسين ميرخاني و جليل رسولي                 و عبّاس أخوين و جواد بختياري و أمير فلسفي و إسرافيل شيرجي و محمد سلحشور و ميرزا محمد رضا كلهر وغيرهم .

و لا ننسى انّ هناك خطّاطين اسدوا إلى هذا الفن خدمات جُلّى في الأوطان العربية في المملكة العربية السعوديّة و الكويت و البحرين و لبنان والاردن و فلسطين والسودان و ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب و اليمن و موريتانيا.

واقع الخطّ العربي في العالمين العربي و الإسلامي (عموماً )

أصبحت وتيرة الخط العربي بطيئة الحركة ، بعد أن استُبدِلَ الحرفُ العربيّ بالحرف اللّاتينيّ في تركيا ، ممّا سمّي بعد ذلك ( بإنقلاب الحرف ) و ذلك في النّصف الاوّل من القرن العشرين ، فبَارتْ بضاعةُ الخط العربيّ بل كسدتْ ، إلى أن قيّض الله تعالى لهذا الفن من أحسن القيام عليه ، لدى إنشاء مركز الأبحاث للتاريخ و الفنون والثقافة الإسلامية ( إرسيكا ) في استانبول في مطلع الثّمانينات من القرن العشرين ، و كان تعامل المركز مع فنّ الخطّ  قائماَ على أُسس أكاديمية و خطوات ممنهجةٍ استعاد على إثْرها الخطّ عافيتَه و ذلك من خلال المطبوعات والمحاضرات والندوات و المعارض و المهرجانات ، ويأتي على رأس هذه الجهود ، المسابقة الدولية لفن الخط ، التي أماطت اللّثام عن مواهب و كفاءات ما كانت لتعرف إلاّ من خلال التنافس في هذه المسابقات في بقاع شتّى من العالمين العربي والإسلامي ، وقد واكبت هذه المسيرة جهود في أنحاء مختلفة من العالم ، ولا يتّسع المقام هنا لتغطية ذلك ، وإنّما سنَقْصُر حديثنا على ما يدور في الساحة الفنيّة الخطيّة في دولة الإمارات العربية المتحدة ، فقد كانت الأرضية ممهّدة ، والبنية الناعمة مألوفة لنماء هذا الفن ، لأن وجدان الناس في الإمارات العربية المتحدة مازال يحتفظ برموز فنيّة بادرت إلى ممارسة هذا الفن في ظروف غير متاحة و من هؤلاء : حميد بن سلطان الشامسي ، و محمد بن عبدالرحمن بن حافظ و أحمد بن عبدالرحمن بن حافظ و خلف الغيث ، و أحمد بن محمد الحميدي و محمد بن يوسف الشيباني ، و مبارك بن حمد العقيلي و سالم بن خميس بن كنيد ، وأحمد بن عبدالرحمن الهرمسي المعروف بـ ( بو سنيدة ) ، وصالح عيسى القرق و عبدالله صالح القرق ، وعلي راشد الكيتوب ، والشيخ محمد بن علي المحمود ، وأحمد بن عبدالرحمن بن حديد ، وحسن بن عبدالرحمن المدفع ، وسالم بن عبدالله الكراني ، وراشد بن سلطان النعيمي وأبناؤه سلطان وعلي ومحمد ، ويوسف محمد يوسف الشريف . وقد غلب على كتاباتهم خطّا الرقعة والنسخ . كما بدأت ملامح فن الخطّ العربي تعلو أفق الإمارات العربية المتّحدة  ، في منتصف الثمانينات من القرْن العشرين ، وهذه فترة موازية لتأسيس مركز الأبحاث للتاريخ والثقافة والفنون الإسلامية ( إرسيكا ) في استانبول ، وتمثّل ذلك في إقامة معارض لخطّاطين زائرين و مقالات تنشر بين حين و آخر و رعاية رسميّة لأنشطة الخط العربيّ و معارض دورية متتالية مثل ملتقى الشارقة الدولي لفن الخط العربي و المرئي و المسموع و معرض دبي الدولي لفن الخط العربيّ ، و أنشطة مؤسسة سلطان العويس الثقافية في إحتضان المعارض العامة و الفردية، و ندوة الثقافة و العلوم ، و مركز جمعة الماجد للثقافة و التراث العربي ،  و مجلس دبي الثقافي ، و مركز دبي لفن الخط العربي و المجمع الثقافي وهيئة ابوظبي للسياحة والثقافة و هيئة دبي للثقافة و الفنون . فإذا ما أضفنا مجلة حروف عربية التي لعبت دوراَ بارزاَ في حركة فن الخط و جائزة البردة و ملتقى رمضان لكتابة القرآن الكريم و المسابقات المحلية و الدولية ، و تزايد عدد صالات المعرض ، ممّا اسس بفعل كل النشاطات التي ذكرت ، لقيام حركة فنية موصولة و متميزة في دولة الإمارات العربية المتحدة اتسمت بالملامح التالية :
اولاً: اتساع دائرة الإهتمام الفنّي بفن الخط العربيّ و الفنون المصاحبة له على المستويين الرسمي و المدني .
ثانياً: نموّ الوعي الفنّي من خلال الأطّلاع على تاريخ الفن و تطوره و مدارسه و أساتذته و ذلك بتوافر الكتب و المجلات والنشرات الورقيّة و الألكترونية ، و تواتر إقامة المعارض في أرجاء الدولة ، وكانت و مازالت هذه المعارض المحرّك الأساسي للهويّة الفنيّة و الثقافية .
ثالثاً : بروز حركة الاقتناء للوحات الفنية الخطّية ، ممّا زاد من وتيرة الإنتاج الفنّي لدى الخطّاطين و رواج سوق الخط ، ويأتي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي و صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو مجلس الأعلى حاكم الشارقة على رأس قائمة المهتمين بالاقتناء و يتلوهما السادة : محمد أحمد المر و عبدالرحمن العويس و أنور قرقاش و عبدالغفار حسين و خالد أحمد سليم و عثمان محمد الشريف و إبراهيم الهاشمي و عبدالقادر الخيّاط و مروان جمعة بن بيات و حمد أحمد السويدي و سعيد بن عمير و شفيق عبدالحميد و عبدالشكور تهلك وصلاح تهلك و علي الشعالي .
رابعاً : إعداد اللوحات بمواصفات ذات معايير محددّة و معتمدة ، وذلك بتكليف الخاطّاطين المتميّزين في طراز معيّن من الخط بكتابة نص محدّد منتقى ( التفضيل النصّي ) وبخط معيّن من الخطوط و بحجم محسوب ، و لون وورق معالج مسمّى و تحديد ما يناسب النص من الزخرفة و كثافتها ونوع التذهيب و اسم المذهّب و ما يستتبع ذلك ممّا يحيط باللوحة
Mounting وبرواز يتناسبان مع الهيئة العامة للّوحة و لقد أسس لهذا النهج في الإنتقاء و لأول مرّة الاستاذ محمد أحمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي السابق .
خامساً : اتّخاذ الأعمال الفنية بشعبها كافّة و منها فن الخط مادةً للهدايا الرسمية ، ممّا يعطي لذلك بُعداً ثقافياً و فنياً ويكرّس أهمية التواصل و الانتشار، و التقارب الثقافي و التعامل مع الرموز الفنية و الثقافية المتضمّنة للقيم الدينية و الثقافية ، وقد شجع ذلك حركة اقتناء الأعمال الفنية الخطية ، وتداولها وبالتالي كان حافزا ً للخطاطين للمزيد من العطاء الفني بالإضافة إلى تنظيم الورش الفنية والمعارض والمهرجانات داخل الدولة وخارجها .
إن الحركة الفنية في حقل الخط العربي في دولة الإمارات العربية المتحدة حلقت بجناحين اثنين ، أحدهما الموروث الفني الذي أسلفنا الحديث عنه ، وأثره البالغ في الأجيال اللاحقة ، و بتشجيع و دعم من الجهات الرسمية و الخاصة ، ممّا شكّل اهتماماً لديهم  ، بعزائم وثابة ، فمن هؤلاء الشباب أبناء الدولة من تعلق بفن الخط العربي  وأتم رحلته الفنية بالحصول على الإجازة وهي شهادة يعتد بها تخول من ينالها تدريس فن الخط والإجازة فيه.
و من طلائع الخطاطين الذين مارسوا الخطاطة في الإمارات و استكملوا دراستهم لدى شيخ الخطاطين حسن جلبي في استانبول : حسين علي السري الهاشمي ، و محمد يوسف مندي ، وفاطمة سعيد البقالي ، وماجدة المازم .

كما نال محمدعيسى خلفان إجازته في الخط العربي من الخطّاط الدكتور صلاح شيرزاد.

امّا الجناح الثاني فهو جهود الخطاطين الوافدين الى دولة الإمارات العربية المتحدة إذ كان و مايزال لهم الأثر البالغ في تدريس فن الخط و الزخرفة و في تشجيع الأجيال على تعلم الخط و الزخرفة و الاهتمام بنشأته و تاريخه و أعلامه و علاقته الوطيدة بالقرآن الكريم و الحديث الشريف و السير و الشعر و كافة صنوف الأدب و من هؤلاء الخطاطين الذين اسهموا في نهضة هذا الفن على أرض الدولة:
علي ندا الدوري و صلاح شيرزاد و نزار الدوري و تاج السر حسن وموفق بصل و محمد رضا بلال و خليفة الشيمي و وسام شوكت و محمد النوري و عدنان الشريفي و محمد علان و خالد الساعي و محمد فاروق الحداد و مصعب الدوري و زيد الأعظمي و عدي الأعرجي و ماجد اليوسف و عبدالرزاق المحمود و محمد أديب علي و أحمد الهواري واوميد رباني و نبيل الغانم و جلال المحارب و ياسر العشري و حسام خورشيد و مؤمن الشرقاوي و حسام عبدالوهاب ومحمد نباتي .

وهناك مجموعة مختارة من شباب و شابّات الإمارات أخذوا على عاتقهم تعلم الخطاطة و الإقتداء بمن سبقهم من الخطاطين والخطاطات: ايمان البستكي و ايمان بشير المهيري و مريم علي الفارسي ومريم علي البلوشي و ندى باقر المازمي و شيخة محبوب الكياني و مريم خليفة الصاحي و فاطمة سالم الظنحاني و فاطمة سالمين الظاهري وثريا ابراهيم الظهوري و فاطمة محمد عبدالرحيم و مريم عبيد اليماحي و غادة أحمد عبدالعزيز و منى محمد الجريشي و علياء بشير المهيري و فاطمة فضل و عائشة محمد الحساني و فاطمة شعلان زواوي.
ومن الشباب : عبدالله الحامد ، وعلي ابراهيم  و محمدبن يحي وعلي الحمادي وعادل حسن المرزوقي و مروان حمد الحمادي .
المصطلحات في فن الخطاطة : آلة الخط – الترقيم – الحركات الإعرابية
من حق الفن علينا ان نسمّي ادواته و مواده بأسمائها، ونضع الأمور في نصابها طالما نحن نتعامل مع فنٍ دقيق التفاصيل محكوم بالقواعد الصّارمة :
1- اقرأ : وردت في القرآن الكريم في صيغٍ متعددة وابرزها : ” أقرأ باسم ربك الذي خلق ” (10)

2- الخط : هو الطريقة المستطيلة في الشيء و الجمع خطوط ويقال الكلأ خطوط في الأرض : ايّ طرائق و الخط يعني الطريق و يقال : إلزم ذلك ولا تظلم عنه شيئاً ، وخط بالقلم : اي كتب الشيء بخطّه و يخطه خطأ اي كتبه بالقلم أو بغيره ، و التخطيط يعني التسطير و قد وردت في القرآن الكريم مرة ً واحدةَ في صيغة ” تخطّه ” . (11)
3– كتب : كتب الشيء يكتبه: اي خطّه ، وقد وردت كلمة كتب و كل الصيغ المشتقة منها في القرآن الكريم في مواقع عديدة .  ويلاحظ أن الكتابة و الخط واقعان في إطار متجانس ، وإنّ كل خط هو كتابة ، غير انّه ليس كلّ كتابة خط ، لأنّ في الخط ميزاناً و تجويداً لشكل الحروف و مراعاةً لمساقطها و المسافات البينيّة .
4- قِرطاس : اصلها من اللّغة اليونانية
chartes ومعناها ما يكتب فيه ، وقد وردت في القرآن الكريم مرتين : قرطاس (12) و قراطيس . ( 13 )
5- الورق : أخترعه الصينيّون قبل الميلاد ، وعرفه العرب سنة 800 ميلاديّة ، وقيمته كبيرة في إنتاج العمل الفنّي لا تقلّ عن جودة القلم و الحبر . قالت إمرأة لزوجها الورّاق : بلاك الله بقلم حفٍّ ، وسكّين صدىءٍ وورقٍ رديءٍ ويوم نديٍّ وسراجٍ ينطفىء  .
6- الرّق : (راء مفتوحة ومشدّدة) و معناها الجلد الرقيق  وقد وردت في القرآن الكريم مرة واحدة
(14). قيل لورّاق ماذا تشتهي؟ قال: حبر دفّاق و صحائف رِقاق .

7 سطر : وردت في القرآن في صيغة يسطرون (15) ومسطور (16)  ومسطوراً ( 17) .    

8 مداد (18): ما يُمَدٌ به القلم ، وردت في القرآن مره واحدة ، وهو الحبر ويوضع في إناء صغير يُسمّى الدواة أو المحبرة : قال ياقوت بن عبدالله المقتدري : سَمعتُ الشّافعيّ يقول : لولا المحابرُ لَخَطبتِ الزًنادقُ على المنابر ، وقال يحيى بن مَعِين : ” إظهارُ المحبرة عِزٌ “. 

9- القلم (19): ما يكتب به ، والجمع أقلام (20) وقِلام وردت في القرآن الكريم في صيغة القلم وأقلام وأقلامهم (21) . وهو الأُنبوب من القصب ولا يُسمّى قلماً إلاّ إذا قطع ، والقلم هو السن ، وكل ما يُبرى قلم ، ومن أسمائه “المِرقم ” وقال أبو دُلَف : القَلُم أحدُ اللّسانين ، وقد أوْلى الخطّاطون القلم عنايةً فائقةً فقالوا: القلم السَّيءُ كالولدِ العاقّ. وقال أحد الملوك : الدُّنيا تحت شيئينِ : السيف والقلم ، ويشق رأس القلم لمزيد من الاستمداد ولقد أخذ الخطاطون بذلك منذ أكثر من ألف عام لقول المتنبي : ولو قلم ألقيت في شق رأسه           من السقم ماغيّرتُ من خط كاتب

10- التَّرقيم : تعجيمُ الكتاب : رقّم الكتاب يَرْقُمُه : أَعْجَمَهُ وبيّنَهُ ، وكتابٌ مرقومٌ : أي بُيّنتْ حروفه بعلاماتِها من الترَّقيم .كتابٌ مرقومٌ (22) أي مكتوب .

11- أعجم : أعجمتُ الكتابَ : أزلتُ عنه عُجمتهُ .

12- أشْكَلَ : أشكلتُ الكتابَ : أزلتُ عنه إشكاله . و الأصل : الشّكْل ” لغةَ ” يُطلقُ على التّقييد – نقول شَكَلتُ الدّابة : إذا قيّدتُها واصطلاحاً : علامةٌ مخصوصةٌ تلحقُ الحرف للدلالة على نحو الحركة المخصوصه كسُكون ٍ ومدٍ وتنوينٍ وهمزةٍ و شدٍّ.

13- الضمّةُ : فوق الخط – واو صغيرةٌ مخترعةٌ من الواو الكبيرة ، الّتي تحدُثُ عند الإشباع ، وإنّما كانت صغيرةً لئلّا تلتبس بالواو في الجملة .

14- الفتحة : فوق الخطّ – ألفٌ صغيرةٌ مسطوحةٌ مخترعةٌ من الألف الكبيرة ، الّتي تحدُثُ عند الإشباع ، وإنّما كانت صغيرةً مسطوحةٌ لئلّا تلتبس بالألفِ في الجملة .

15- الكسْرة : تحت الخطّ ، مختصرةٌ من ياءٍ كبيرةٍ التي تحدث عند الإشباع .

16- السّكون : فوق الخطّ أصلها رأس خاءٍ لم يُنْقَطْ ، وهي خاءٌ من (خفّ) أو (خفيف) او من “حاء” ( استرح ) أو من جيم ( إجزم )  .

17- الشَّدة : فوق الخطّ وهي رأس شينٍ من الفعل (شدَّ) أو (شديد) ولم تُنْقَطْ لعدم الحاجه إلى ذلك ، ولخوف الإلتباس من التّنقيط مع “كسّر ” فتصبح كشّر . ويُستحسن  أن توضع الكسرة تحت الحرف وليس تحت الشدة .

18- الشَّرْطة : سُمّيت بذلك لأنَّها تُشْبهُ شَرْطَة الحجَّام .

19- المدَّة : من كلمة مَدَّ ، كانت ميماً ، ثم طُوّرت .

20- الهَمْزة : هي حرف عَيْن ، وصَغّروا حجمها لئلّا تلتبس بها ، واختاروا العين للدّلالة على الهمزة ، لأنَّ العين والهمزة يصدران من مكان واحد في الحنجرة . أو من القَطْع لأنّها توضع فوق همزة القطْع.

21- التنوين : يُستحسن أن يكون تنوينُ الرّفع بين يدي الحرف وليس فوقه.

22- آية : علامة.

23- الزُّبر : جمع زبور وهو الكتابة والنقش على الحجر

24- السّجل : كتابُ العَهْد والجمع سجلّات (يوم نطوي السّماء كطيّ السجل ) (23)

25- السِّفْر : كتاب ، أصلها نبطيّة أو سريانّية – مُعرّبة .

26- القطعة : العمل الفنّي الخطيّ المنفّذ على ورقةٍ صغيرةٍ أقل من 30×20 سم . وقد سمّاها العثمانيّون قطعةً ، ولكنّ الأجدر أن نسميها ” لُويحة ” حيث أنّها تصغيرٌ للّوحة كبيرة ، تتجاوز 40×30 سم.

27- السّكين : آلة القَطْع وتُسمّى ( المُدْية ) وينبغي أن تكون رقيقةً الشَّفْرة ، ماضية الحدِّ ، صافيةَ الحديدة ، طرفُها العلويّ سميكاً للرّفق بأصابع الخطّاط عند القطّ ، قال أحدهم لصديقه وهو يهديه سكّيناً : ” أهديت إليك سكّيناً  أملح من الوصْل وأقطعُ من البين” .

28- الشّكل المَعِين : مربّعٌ بوضعٍ رأسيٍّ ، على شكل نقطةٍ في خطِّ الثُّلث. سميّ بذلك لشبهه بنقطة المطر كما ورد في الآية الكريمة: ” قل إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين ” (24)

29- الصحيفة : القطعة من الجلْد أو الورق يُكتب فيها ، واصطلاحاً القطعة المحررّة الّتي جُمع فيها القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصّديق ( رضي الله عنه )

30- المصحف : مجموع الصّحائف ، وأوّل من سمّاه مُصْحفاً أبو بكر الصّديق (رضي الله عنه).

31- القرآن : سُميَّ قرآناً لأنه يجمعُ السُّور ويضّمها.

32- الرّسم : رَسَمَ بمعنى كَتَبَ ، والرُّوسم : العلامة ، والرَّاسوم : القالِب  Templet

33- الخطّ الهمايوني : كُتُبُ السلطان والمراسيم الصّادرة عن ديوانه ، ومعناها : المقدّس ، واقتصرت كتابته على الخطّ الدّيوانيّ والدّيواني الجليّ .

34- الطُّومار : من أهّم مخطوطات الصَّابئة في حرّان شمال العراق والطُّومار كلمةٌ فارسية معناها : الصَّحيفة (معّرب) .

35- ورق البردي : من المحاصيل التي تنبت في مصر منذ الأسرة الفرعونية الوسطى حتى انتهاء زراعته في القرن الخامس الهجريّ . ( الحادي عشر الميلادي ) في مستنقعات الدّلتا ومسطّحانها المائية . يُؤخذُ الورق من لُبابِهِ الّليفي ويُقْطَع في شرائح طويلة بعد قشرها ، وتوضع الواحدة بجانب الأخرى، وتتعامد مع شرائح أُخرى ، ثم تُطْرق بمطرقةٍ خشبّية لتسويتها ، واتحاد أجزائها بواسطة اللّزوجه الطبيعّية ، وبعد جفافها تتم الكتابةُ في الاتّجاه الأفقي ، ويصل عرض ساق البرديّ إلى 10 سم وقد بدأ استخدامه منذ القرن الرّابع قبل الميلاد .

36- الورق المقهّر : يعالج الورق بطليِه ببياض البيض المخفوق (المضروب) جيّداً ، باستخدام الشّبّه ، فيتحّول إلى قوام زيت الزيتون الصّافي . للحصول على سطح ورقةٍ أملس ، يتّم دَلْك  سطح الورقه جيّداً وتُحفظ ، وتستخدم للكتابة بعد مُضيّ ستّة شهور .

37- المَقْطع : قطعة مستطيلة من العاج أو اللّدائن أو العظم ، عند أحد طرفيها مخدة مجوفة لاحتضان القلم وضبط حركته ،عند قطّ رأسه .

38- قيد الفراغ : هو ما يسجل في نهاية العمل الفني وخاصة المصاحف الشريفة والأوراد والدَّواوين الشّعرية ، يسمى بالانجليزيّ colophon ) ( ويتضمن اسم الخطاط او الناسخ وتاريخ النسخ والفراغ منه والنسخة المنقول عنها والتّاريخ والمُهدي والمُهدَى إليه .

39- الشكل الإهليجي : وهو أقرب الأشكال إلى البيضاويّ ، ولكنّه متساوي الرأسين ، ويختلف عن الشكل البيضاوي  ( من البيضة ) لأنّ الرأسين فيها أحدهما أكبر من الأخر .

40- المِصْقلة : أداة من الرُّخام أو العقيق وبالانجليزية (Elliptic) لصقل الورق المقهَّر ، وحدّها السفلي الملامس للورق يكون ملساً ومحّدباً وبتمريره عّدة مرّات على سطح الورقة المقهَّره  يتّم صقلها .

41- الرسم العثماني : اصطلاح يدل على الصّيغة الفنيّة والإملائّية لنصوص القرآن كما كُتِبت في عهد عثمان بن عفان الخليفة الراشد الثّالث (رضي الله عنه) والّتي ارتضاها ، وكان قد أمر بكتابة ستّة مصاحف لإرسالها إلى الأمصار .

42- الخط الخُرْد : الأوامر المكتوبة من ملوك المسلمين في الهند.

ونختم إذ نقول : ” إنّ الخطَّ مرآةُ الكلام ” فكيف به وهو في مجتمع متعّدد الثّقافات ، في دبي الواحة الفنية ، وفي معارض وأنشطة مركز دبي لفن الخط العربي وهي محركات فنية وهي أيضاً عمليّة تعليمّية متنقّلة ، يتخللّها لقاءُ العقول ، وفيها إثراء للحياة الفنية بوصفات معرفّية وحِزَم ثقافيّة تدعم المخزون الفنيّ في وجدان النَّاس وأرفف المكتبات.

تلك حلقةٌ ……….. في سلسلةٍ متعدّدة الحلقات تَصِلُ ما بينها أجيالٌ لرفعة هذا الفن ورعايته وتذوقه .

الهوامش :

  1. الجاهلية الأولى : هي الفترة التي سبقت دعوة ابراهيم عليه السلام والجاهلية الثانية سبقت بزوغ الاسلام بمائة وخمسين سنة .
  2. النصب والأنصاب : الأجسام المصورة والمنقوشة .   
  3. القلائد جمع قلادة وهو ما يقلّد به الهدي ليعلم أنّه مُهْدَىً إلى البيت الحرام .   
  4. سورة البقرة – الآية 31
  5. الأنباط في أصلهم من عرب الجنوب في الجزيرة العربية ، استوطنوا جنوب الأردن منذ سنة 700 قبل الميلاد الى سنة 106 بعد الميلاد حين قضى على دولتهم الامبراطور الروماني تراجان سنة 106 م .
  6. سورة العلق – الآية 1
  7. سورة العنكبوت – الآية 48
  8. المصحف : مجموع الصحائف وأول من سماه مصحفاً أبوبكر الصديق .
  9. الطومار : معربة ، جمعها طوامير وهي السجلات التي كتبت فيها تعاليم ديانة الصابئة الحرانية في شمال العراق .
  10. سورة العلق – الآية 1
  11. سورة العنكبوت – الآية 48
  12. سورة الأنعام – الآية 7
  13. سورة الأنعام – الآية 91
  14. سورة الطور – الآية 3
  15. سورة القلم- الآية 1
  16. سورة الطور – الآية 2
  17. سورة الاسراء – الآية 58
  18. سورة الكهف – الآية 109
  19. سورة القلم- الآيه 1
  20. سورة لقمان – الآيه 27
  21. سورة آل عمران – الآية 44
  22. سورة المطففين – الآيتان 9 و 20
  23. سورة الأنبياء – الآية 104
  24. سورة الملك – الآية 30

مراجع البحث :

  1. تاريخ القراءة – ألبرتو مانغويل
  2. لسان العرب
  3. المعجم المفهرس
  4. المعجم الوسيط
  5. بدائع الخط العربي – ناجي زين الدين
  6. تاريخ الخط  العربي وإعلام الخطاطين – احمد صبري محمود زايد
  7. Mustafa U. Derman – Letters in Gold
  8. فن الترقيم في العربية – اصوله وعلاماته – د. عبدالفتاح الحموز
  9. الإملاء والاستملاء – أبي سعد عبدالكريم السمعاني
  10. كتاب الإملاء – حسن والي
  11. العرب والاسلام في الحوض الشرقي من البحر المتوسط – د. عمر فروخ
  12. الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات – د. أيمن فؤاد سيد
  13. موسوعة الخطوط العربية وزخارفها – معروف زريق
  14. مجلة حروف عربية – العدد “  التاسع سنة 2002